فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقال: «إن الماء ليس عليه نجاسة أو إن الماء لا يُجْنِب» قال أبو عمر: وردت آثار في هذا الباب مرفوعة في النهي عن أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة. وزاد بعضهم في بعضها: ولكن ليغترفا جميعًا.
فقالت طائفة: لا يجوز أن يغترف الرجل مع المرأة في إناء واحد؛ لأن كل واحد منهما متوضىء بفضل صاحبه.
وقال آخرون: إنما كره من ذلك أن تنفرد المرأة بالإناء ثم يتوضأ الرجل بعدها بفضلها.
وكل واحد منهم روى بما ذهب إليه أثرًا.
والذي ذهب إليه الجمهور من العلماء وجماعة فقهاء الأمصار أنه لا بأس أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة وتتوضأ المرأة من فضله، انفردت المرأة بالإناء أو لم تنفرد.
وفي مثل هذا آثار كثيرة صحاح.
والذي نذهب إليه أن الماء لا ينجسه شيء إلا ما ظهر فيه من النجاسات أو غلب عليه منها؛ فلا وجه للاشتغال بما لا يصح من الآثار والأقوال. والله المستعان.
روى الترمذيّ عن ابن عباس قال: حدثتني ميمونة قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة.
قال هذا حديث حسن صحيح.
وروى البخاريّ عن عائشة قالت: كنت اغتسل أنا والنبيّ صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يقال له الفَرَق.
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة.
وروى الترمذي عن ابن عباس قال: اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جَفْنة فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه فقالت: يا رسول الله، إني كنت جنبًا.
قال: «إن الماء لا يُجْنِب» قال: هذا حديث حسن صحيح، وهو قول سفيان الثوريّ ومالك والشافعي.
وروى الدَّارَقُطْنِيّ عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أتوضأ أنا والنبيّ صلى الله عليه وسلم من إناء واحد وقد أصابت الهرة منه قبل ذلك.
قال: هذا حديث حسن صحيح.
وروي أيضًا عن رجل من بني غِفار قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضل طهور المرأة.
وفي الباب عن عبد الله بن سَرْجِس، وكره بعض الفقهاء فضل طهور المرأة، وهو قول أحمد وإسحاق.
الرابعة عشرة: روى الدَّارَقُطْنِيّ عن زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب كان يسخن له الماء في قُمْقُمَة ويغتسل به.
قال: وهذا إسناد صحيح.
وروي عن عائشة قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سخَّنت ماء في الشمس.
فقال: «لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص» رواه خالد بن إسماعيل المخزومي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وهو متروك.
ورواه عمرو بن محمد الأعشم عن فليح عن الزهريّ عن عروة عن عائشة.
وهو منكر الحديث، ولم يروه غيره عن فليح، ولا يصح عن الزهري؛ قاله الدَّارَقُطْنِيّ.
الخامسة عشرة: كل إناء طاهر فجائز الوضوء منه إلا إناء الذهب والفضة؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذهما.
وذلك والله أعلم للتشبُّه بالأعاجم والجبابرة لا لنجاسة فيهما.
ومن توضأ فيهما أجزأه وضوءه وكان عاصيًا باستعمالهما.
وقد قيل: لا يجزىء الوضوء في أحدهما.
والأوّل أكثر؛ قاله أبو عمر.
وكل جلد ذُكِّي فجائز استعماله للوضوء وغير ذلك.
وكان مالك يكره الوضوء في إناء جلد الميتة بعد الدباغ؛ على اختلاف من قوله.
وقد تقدّم في النحل.
قوله تعالى: {لِّنُحْيِيَ بِهِ} أي بالمطر.
{بَلْدَةً مَّيْتًا} بالجدوبة والمحل وعدم النبات.
قال كعب: المطر روح الأرض يحييها الله به.
وقال: {ميتًا} ولم يقل ميتة لأن معنى البلدة والبلد واحد؛ قاله الزجاج.
وقيل: أراد بالبلد المكان.
{وَنُسْقِيَهِ} قراءة العامة بضم النون.
وقرأ عمر بن الخطاب وعاصم والأعمش فيما روى المفضّل عنهما {نَسْقِيَهُ} بفتح النون.
{مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} أي بشرًا كثيرًا وأناسيّ واحده إنسي نحو جمع الْقُرْقُور قَرَاقير وقَرَاقِر في قول الأخفش والمبرد وأحد قولي الفراء؛ وله قول آخر وهو أن يكون واحده إنسانًا ثم تبدل من النون ياء؛ فتقول: أناسي، والأصل أناسين، مثل سِرحان وسراحين، وبستان وبساتين؛ فجعلوا الياء عوضًا من النون، وعلى هذا يجوز سراحي وبساتي، لا فرق بينهما.
قال الفراء: ويجوز {أَنَاسِي} بتخفيف الياء التي فيما بين لام الفعل وعينه؛ مثل قراقير وقراقر.
وقال: {كَثيرًا} ولم يقل كثيرين؛ لأن فعيلًا قد يراد به الكثرة؛ نحو {وَحَسُنَ أولئك رَفِيقًا} [النساء: 69].
قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ} يعني القرآن، وقد جرى ذكره في أوّل السورة: قوله تعالى: {تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان}.
وقوله: {لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذكر بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} [الفرقان: 29] وقوله: {اتخذوا هذا القرآن مَهْجُورًا} [الفرقان: 30].
{لِيَذَّكَّرُواْ فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُورًا} أي جحودًا له وتكذيبًا به.
وقيل: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ} هو المطر.
روي عن ابن عباس وابن مسعود: وأنه ليس عام بأكثر مطرًا من عام ولكن الله يصرِّفه حيث يشاء، فما زيد لبعض نقص من غيرهم.
فهذا معنى التصريف.
وقيل: {صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ} وابلًا وطَشًّا وطَلاّ ورِهاما الجوهري: الرهام الأمطار اللينة ورَذَاذًا.
وقيل: تصريفه تنويع الانتفاع به في الشرب والسقي والزراعات به والطهارات وسقي البساتين والغسل وشبهه.
{لِيَذَّكَّرُواْ فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُورًا} قال عكرمة: هو قولهم في الأنواء: مطرنا بنوء كذا.
قال النحاس: ولا نعلم بين أهل التفسير اختلافًا أن الكفر هاهنا قولهم مطرنا بنوء كذا وكذا؛ وأن نظيره فعل النجم كذا، وأن كل من نسب إليه فعلًا فهو كافر.
وروى الربيع بن صبيح قال: مُطِر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فلما أصبح قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أصبح الناس فيها رجلين شاكر وكافر فأما الشاكر فيحمد الله تعالى على سقياه وغياثه وأما الكافر فيقول مُطِرنا بنوء كذا وكذا» وروي من حديث ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من سنة بأمطر من أخرى ولكن إذا عمل قوم بالمعاصي صرف الله ذلك إلى غيرهم فإذا عصوا جميعًا صرف الله ذلك إلى الفيافي والبحار» وقيل: التصريف راجع إلى الريح، وقد مضى في البقرة بيانه.
وقرأ حمزة والكسائي: {لِيَذْكُرُوا} مخففة الذال من الذكر.
الباقون مثقلًا من التذَكُّر؛ أي ليذّكروا نعم الله ويعلموا أن من أنعم بها لا يجوز الإشراك به؛ فالتذكر قريب من الذكر غير أن التذكر يطلق فيما بعد عن القلب فيحتاج إلى تكلف في التذكر.
قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا} أي رسولًا ينذرهم كما قسمنا المطر ليخف عليك أعباء النبوّة، ولكنا لم نفعل بل جعلناك نذيرًا للكل لترتفع درجتك فاشكر نعمة الله عليك.
{فَلاَ تُطِعِ الكافرين} أي فيما يدعونك إليه من اتباع آلهتهم.
{وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} قال ابن عباس بالقرآن.
ابن زيد: بالإسلام.
وقيل: بالسيف؛ وهذا فيه بعدٌ؛ لأن السورة مكية نزلت قبل الأمر بالقتال.
{جِهَادًا كَبيرًا} لا يخالطه فتور. اهـ.

.قال أبو حيان:

{جعل الليل لباسًا} تشبيهًا بالثوب الذي يغطي البدن ويستره من حيث الليل يستر الأشياء.
والسبات: ضرب من الإغماء يعتري اليقظان مرضًا فشبه النوم به، والسبت الإقامة في المكان فكان السبات سكونًا تامًا والنشور هنا الإحياء شبه اليقظة به ليتطابق الإحياء مع الإماتة اللذين يتضمنهما النوم والسبات. انتهى.
ومن كلام ابن عطية وقال غيره: السبات الراحة جعل {النوم سباتًا} أي سبب راحة.
وقال الزمخشري: السبات الموت وهو كقوله: {وهو الذي يتوفاكم بالليل} فإن قلت: هلا فسرته بالراحة؟ قلت: النشور في مقابلته يأباه. انتهى.
ولا يأباه إلاّ لو تعين تفسير النشور بالحياة.
وقال أبو مسلم {نشورًا} هو بمعنى الانتشار والحركة.
قال ابن عطية: ويحتمل أن يريد بالنشور وقت انتشار وتفرق لطلب المعاش وابتغاء فضل الله.
و{النهار نشورًا} وما قبله من باب ليل نائم ونهار صائم، وهذه الآية مع دلالتها على قدرة الخالق فيها إظهار لنعمته على خلقه، لأن الاحتجاب بستر الليل كم فيه لكثير من الناس فوائد دينية ودنيوية.
وقال الشاعر:
وكم لظلام الليل عندي من يد ** تخبر أن المانوية تكذب

والنوم واليقظة وشبههما بالموت والحياة أي عبرة فيهما لمن اعتبر.
وعن لقمان أنه قال لابنه: يا بني كما تنام فتوقظ فكذلك تموت فتنشر.
وتقدم الخلاف في قراءة الريح بالإفراد والجمع في البقرة.
قال ابن عطية: وقراءة الجمع أوجه لأن عرف الريح متى وردت في القرآن مفردة فإنما هي للعذاب، ومتى كانت للمطر والرحمة فإنما هي رياح لأن ريح المطر تتشعب وتتداءب وتتفرّق وتأتي لينة ومن هاهنا وههنا وشيئًا اثر شيء، وريح العذاب خرجت لاتتداءب وإنما تأتي جسدًا واحدًا.
ألا ترى أنها تحطم ما تجد وتهدمه.
قال الرماني: جمعت رياح الرحمة لأنها ثلاثة لواقح: الجنوب، والصبا، والشمال.
وأفردت ريح العذاب لأنها واحدة لا تلقح وهي الدبور.
قال أي ابن عطية: يرد هذا قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: إذا هبت الريح: «اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا». انتهى.
ولا يسوغ أن يقال: هذه القراءة أوجه لأنه كلًا من القراءتين متواتر والألف واللام في الريح للجنس فتعم، وما ذكر من أن قول الرماني يرده الحديث فلا يظهر لأنه يجوز أن يريد بقوله عليه السلام: «رياحًا» الثلاثة اللواقح وبقوله «ولا تجعلها ريحًا» الدبور.
فيكون ما قاله الرماني مطابقًا للحديث على هذا المفهوم.
وتقدم الخلاف في قراءة {نشرًا} وفي مدلوله في الأعراف {بين يدي رحمته} استعارة حسنة أي قدام المطر لأنه يجيء معلمًا به.